أسمي زهور محمد عوض وعمري 73 سنة ، أنجبتني والدتي وفتحت عيني على الحياة في طوبا ، لقد عشت حياة طبيعية جدًا في مسافر يطّا ، حياة عمل بجد كل يوم ، عشت في الكهوف أو بجانبها ، نُعيل أنفسنا معتمدين على الزراعة والثروة الحيوانية ، طوال معظم حياتي ، لم نفكر في أي شيء آخر غير هذه الحياة الطبيعية التي نعيشها ، أما اليوم ، أفتقد هذا الشعور براحة البال والأمان الذي اعتدنا عليه ، اليوم ، كل شيء مختلف تمامًا .
لم أذهب إلى المدرسة ، ولا حتى ليوم واحد ، لذلك منذ الصغر كنت أتجول في جبال مسافر يطّا وحدي ، في ذلك الوقت ، كانت الأراضي آمنة جدًا وكانت حياتنا متنقلة ، خاصة في فصل الصيف ، كان إخوتي يمشون في كل مكان ، باحثين عن العشب والماء لأغنامنا ، غالبًا ما كانوا يمشون من طوبا ويمرون عبر وادي السويد (حيث توجد مستوطنة سوسيا اليوم) وحول قواويس (حيث البؤرة الاستيطانية متسبي يائير اليوم) ، لم تكن عائلتي قلقة عليّ ، ولم يكن هناك ما يدعو للقلق ، كانوا أحيانًا إخوتي يقطعون مسافات بعيدة جدًا ، وينامون أينما كانوا عند غروب الشمس ، ويبقون بعيدًا عن المنزل لشهور ، عندما كنت طفلة ، كان روتيني هو الخروج كل يوم ، حاملاً الطعام والماء ، حتى أجد مكانهم مع أغنامهم ، و كنا نأكل وننام في الجبال دون أي خوف أو تردد .
كانت حياتنا مليئة بالعمل الشاق والمتعب ، لكنها كانت كلها جميلة وبسيطة للغاية ، كانت حياة حب وتعاون بين أبناء هذه المنطقة ، لم تكن لدينا آلات حديثة في تلك الحياة ، كنا نعتمد بشكل كامل على الحيوانات والبشر لإنجاز العمل ، اعتمدنا على الحمار في حرث الأرض ، وعلى الجمل لحمل سنابل الشعير والقمح في وقت الحصاد ، كنا نربط مجموعة من الحيوانات معًا ، ونتركها تمشي على القش الجاف ، ونهرسها حتى تصبح تبن ، و من ثم نطيرها في الهواء لفصل القش عن الحبوب ، و نملأ الحبوب في أكياس و التبن في أكياس أخرى ونخزنها في الكهوف حتى تستمر و نستخدمها طوال الشتاء .
يعد تصنيع الحليب أيضًا جزءًا أساسيًا من حياتنا في مسافر يطا ، عندما نحلب الأغنام ونجمع الحليب ، فإننا نعالجه بطريقتنا التقليدية والطبيعية ، نضع الحليب في مكان ذو درجة حرارة مناسبة في كيس خاص مصنوع من جلد الماعز ، ونعلق الكيس بالحبال و نقوم بخضه لفصل الزبدة عن اللبن ، و من ثم نقوم بطبخ الزبدة في القمح حتى تصبح سمنًا ، ونخزنها في برطمانات لبقية العام .
كما نصنع اللبن من الحليب ، عندما نقوم بطهي اللبن السائل يصبح صلباً ، نخزنه في أكياس قماشية كبيرة تحافظ على الرطوبة ، و عندما نحصل على الكمية المناسبة ، نقسمها إلى قطع صغيرة و بأشكال معينة ، أنا أحب شكل الهرم أكثر ، نضعه في الشمس حتى يجف ، ونغطيه بالقماش لحمايته من الضوء المباشر والغبار ، وبعد أيام قليلة ، يصبح صلبًا ويمكننا بعد ذلك جمعه وتخزينه في الداخل .
تزوجت وأنا في الرابعة عشرة من عمري ، أنا وزوجي أبناء عم ، لذلك نشأ هو أيضًا في طوبا ، كانت والدة زوجي عمياء وليس له إخوة وجميع أخواته أكبر منه ، لذلك بمجرد أن تزوجت جميع أخواته وكان هو مشغولاً بالعمل ، لم يكن هناك من يعتني بأمه ، لذلك قررت عائلاتنا أننا يجب أن نتزوج حتى أتمكن من البقاء معهم وإعالة أسرته .
استغرق الأمر منا خمس سنوات حتى حدث الحمل الأول ، و لكن للأسف فقدنا ابننا الأول ، عندما حان وقت ولادتي الأولى لم يكن هناك طبيب يساعدني ، ساعدتني النساء في القرية على الولادة ، لكنني عانيت كثيرًا ، وبحلول الوقت الذي تمكنت فيه من ولادته ، كان الطفل قد فارق الحياة ، بعد ذلك ، أنجبت تسعة أبناء وست بنات في طوبا ، كلهم بدون طبيب ، كان البعض بمساعدة النساء في القرية ، والبعض الآخر بمفردي ، لقد أمضيت حياتي كلها سنة حامل و سنة مرضعة ، عندما أنجبت ابني الأخير ، كان عمري 49 عامًا ، قبل 25 عامًا فقط ، في ذلك الوقت كان هناك طبيب ، لكنني أنجبته بنفسي .
قمت بكل العمل لتربية أطفالي الخمسة عشر ، كانوا يأكلون الطعام الذي أنتجه من الأرض و المواشي ، عندما كانوا يمرضون ، كنت أعالجهم بالنباتات والأدوية الطبيعية ، فقط إذا كان شخص ما يعاني من مرض مزمن نذهب إلى المستشفى ، كل أطفالي تزوجوا ، وبعضهم لديه أطفال ، وجميعهم يعيشون حياة صحية .
اليوم ، تغير العالم بالكامل ، وهنا في مسافر يطّا ما زلنا نعيش في رعب يومي وتحت تهديد التهجير ، في عام 1999 ، تم تهجيرنا بالفعل ، على الرغم من عودتنا إلى طوبا ، فإن جميع منازلنا لديها أوامر هدم ، والبؤر الاستيطانية تستولي على المزيد والمزيد من أراضينا ، و لا نعلم ما سيحدث لنا في المستقبل ، هذا العام ، استولى المستوطنون على الكثير من أراضينا لدرجة أننا لم نعد قادرين على الاعتماد على الرعي لإطعام أغنامنا ، كنا بحاجة إلى إيجاد طريقة أخرى للبقاء على قيد الحياة ، لذلك اشترينا طعامًا للأغنام ، و بعد أسابيع قليلة تسلل المستوطنون إلى طوبا وأشعلوا النار في 41 بالة قش ، تم حرق الطعام الذي كان من المفترض أن يستمر طوال العام في غضون ساعتين فقط .
عندما كنت في السابعة من عمري كنت أتنقل في جميع أنحاء المنطقة ، لم يحدث لي شيء ، حتى عندما كنت ابتعد عن المنزل ، قبل بضع سنوات ، ذهبت حفيدتي ، سجود ، البالغة من العمر 7 سنوات ، لأخذ زجاجة ماء لابني ، عمها ، خلف التل القريب مباشرة من المنزل ، في طريقها بدأت مجموعة من المستوطنين بمطاردتها ورشقها بالحجارة ، سقطت ، واقتربوا منها وضربوها على رأسها مباشرة بحجر .
آمل أن يستعيد أحفادي الأمن والحرية التي كنت أتمتع بها عندما كنت طفلاً في طوبا .
انا أسمي جابر ، وعمري 34 سنة ، أعيش في خلة الضبع ، ولدت و ترعرت هنا أيضًا ، كان من الرائع أننا عشنا وكبرنا هنا ، لكن منذ عام 2000 ، أصبحت الحياة أسوأ بكثير، لقد عشنا حياة طبيعية قبل ذلك ، مثل حياة أي إنسان ، كل ما يشغلنا هو رعي أغنامنا وزراعة الأرض .
عندما أفكر في طفولتي ، أتذكر كيف عشنا بحرية ، بعيدًا عن صخب الحياة ، أتذكر كم كان جميلًا أن تعيش تناغمات الحياة ، كنت أخرج كثيرًا مع والدي لنرعى أغنامنا ، كل موسم تأتي معه تغييراته الخاصة ، كان هناك موسم الحراث ، وموسم الدراس المفضل لدي { هرس القش لتحويله إلى تبن } ، على الرغم من أن يوم الدراس متعب للغاية ، لأنه يأتي بعد فترة شهرين أو ثلاثة أشهر من الحصاد ، إلا أننا كنا نجتمع مع عائلتنا وأصدقائنا من أجل مساعدة بعضنا البعض ، عندما كنت صغيرًا ، لم تكن هناك آلات تكنولوجية حديثة مثل التي لدينا اليوم ، لذلك كانت لحظتي المفضلة الجلوس بجانب والدي وهو يرمي الحبوب في الهواء لفصلها عن البذور.
عندما تم تهجير سكان مسافر يطا في التسعينيات ، لم يتم تهجيرنا نحن ايضا ً ، لا اعرف لماذا لم يجبرنا الجيش على الخروج ، ربما لأنه لم يكن هناك طريق يؤدي إلى خلة الضبع ، كانت قريتنا من بين القرى الأخرى التي تلقت أوامر إخلاء ، وكنا نرى شاحنات عسكرية تحمل ممتلكات الناس بعيدًا عن القرى الأخرى وتنقلهم خارج مسافر يطّا ، بقينا هنا طوال فترة التهجير حتى عاد الناس إلى قراهم ، ما زلت لا أعرف لماذا لم تأت شاحنات الجيش و تحملنا من منازلنا ، ربما كانوا مشغولين جدًا في تشريد وتهجير القرى الأخرى.
لكن الحياة بقيت صعبة منذ ذلك الحين ، كان الأسبوع الماضي مليئًا بالتوتر والضياع والصعوبة ، وأصيب أخي أثناء عملية الهدم ، تعرض منزلي للهدم عدة مرات ، كان آخرها قبل بضعة أشهر ، في شهر نيسان من عام 2021 ، بعد هدم منزلي ، اضطررت أنا وعائلتي إلى العيش في كهف ، قبل الهدم ، كان الكهف عبارة عن غرفة تخزين ، لكننا اليوم نعيش فيه جميعًا ، أصبح الكهف هو المطبخ والحمام وكل شيء ، حياتنا أصبحت ضيقة الآن ، ليس لدينا مساحة كافية للعيش ، وهناك الكثير من الخسائر المستمرة .
نحن أصحاب الأراضي هنا ، لدينا وثائق تثبت ذلك ، لكن حتى لو نصبنا خيمة فقط ، يأتي الجيش ويصدر أمر بهدمها ، أو حتى يهدمها دون سابق إنذار ، إذا غادر أهالي مسافر يطا أراضيهم ، فسيتم الاستيلاء عليها لصالح المستوطنات ، لكننا هنا ولن نغادر ، سنبقى على أرضنا ونحاول أن نعيش حياة كريمة هنا .
كيف تؤخذ الأرض من صاحبها الشرعي وتعطيها لغيره؟
ما زلت صبورًا لأنني لم أفكر أبدًا في مغادرة هذا المكان ، لقد فقدت المأوى الوحيد الذي أملكه لنفسي ولأولادي ، و لكن حتى لو لم يكن لدي كهف ، حتى لو بقيت في الجبال ، و في العراء تحت المطر الغزير أو شمس الصيف الحارة ، فلن أغادر أبدًا خلة الضبع.
انا اسمي محمد يوسف مخامرة وعمري 18 سنة ، أعيش في قرية تسمى “المركز” في مسافر يطّا مع أبي و أمي وأخواتي الأربعة ، و أنا الابن الوحيد لوالدي .
لقد ولدت ونشأت في هذا المكان ، كانت طفولتي جميلة جدا ، كنت طفلاً نشيطًا وصحيًا للغاية ، كنت أسير كل يوم لمسافة كيلومترين من بيتي في المركز إلى أقرب مدرسة في قرية جنبا ثم أعود إلى المنزل لمساعدة والديّ في رعي الأغنام والعمل في الأرض ، لقد أحببت و استمتعت في ذلك الوقت من حياتي ، حيث كنت أركض خلف أمي بينما كانت تأخذ أغنامنا للرعي ، أتذكر عندما كنت أستمتع في التمعن في كل الألوان المختلفة للزهور في الربيع ، و بينما نحن في الحقل كانت أمي تجمع بعض الحطب لإشعال النار لغلي الشاي عليها ، وعلى الفحم المشتعل ، كانت تقوم بتسخين الخبز الذي خبزته في الطابون ذلك الصباح ونأكله مع بعض اللبن الذي أحضرته أمي من المنزل ، الأرض هي مصدر رزقنا الوحيد ، لذلك عملنا معًا للاعتناء بها .
أنا أحب مسافر يطا وأحب هذه القرية ، عائلتي مرتبطة بهذه الأرض منذ أجيال – ولد والدي هنا ، ورث جدي هذه الأرض عن والده ، انتمائنا إلى أرض مسافر يطّا هو هويتنا ، لقد أتاحت لنا الفرصة لنكون رعاة ، في مكان هادئ ، وأن نعيش نمط الحياة الوحيد الذي نعرفه ، جذوري هنا ، و لا أُعرّف نفسي أنني أنا بعيدًا عن هذا المكان ، سأصبح شخص أخر تماماً .
الآن بعد أن أنهيت دراستي ، أقضي أيامي في العمل مع الأغنام ، إنه عمل أقل في الوقت الحالي لأنه ليس الموسم الذي تلد فيه الأغنام ، أنا فقط أعتني بهم في الحقول وأعد طعامهم في المنزل – و هذا ما يبدو عليه يومي ، عندما يبدؤون بالولادة مرة أخرى ، يتعين علي رعاية الصغار ومساعدة والديّ وأخواتي في تصنيع الحليب .
على مسافة قصيرة من منزلنا توجد قاعدة عسكرية إسرائيلية ، معسكر للجيش ، لقد عشت طوال حياتي وأنا أرى الجنود يطلقون النار على بعد أمتار قليلة من المكان الذي أسكن فيه ، في فترة من الأسبوع ، يطلق الجنود النار طوال النهار والليل ، مما يجعلنا لا نستطيع النوم ، في الصباح ، لا يمكننا الذهاب إلى الحقول للرعي لأن الجنود إما يركنون دباباتهم في حقولنا أو نخشى أن نصاب برصاصة طائشة .
في 8 كانون الثاني (يناير) 2021 ، استيقظت في الصباح لأقود جرار العائلة إلى مدينة يطا لشراء الطعام لأغنامنا ، عندما كنت على وشك المغادرة ، لاحظت أن قطيعنا قد ابتعد قليلاً عن المنزل ، كان ذلك خلال فصل الشتاء ، ولم يكن هناك عشب ربيعي بعد ، لذا كانوا يبحثون عن الطعام ، تابعتهم ، و ركضت محاولًا إعادتهم إلى الحظيرة ، أتذكر أنني كنت أركض ثم سقطت أرضًا ، لكن لا يمكنني تذكر أي شيء بعد ذلك ، لم أكن أعرف ما حدث لي حتى استيقظت في المستشفى ، كان جسدي مليئاً بالإصابات ، نظرت إلى رجلي ومعدتي ورأيت أنني قد أجريت عدة عمليات جراحية ، لكن الصدمة الأكبر كانت عندما نظرت إلى الأسفل ولم أجد كف يدي اليمنى .
انفجرت قنبلة يدوية في جسدي ، مما تسبب في كسور في رجلي اليمنى ، وقد استقرت شظية الانفجار على بعد ملليمترات من قلبي و أخرى من معدتي ، و بترت يدي اليمنى تمامًا ، مكثت في مستشفى سوروكا في بئر السبع لمدة تسعة أيام قبل أن يتم نقلي للعلاج في مستشفى في مدينة يطا بالضفة الغربية .
كان والدي ينتظرني في يطا في ذلك اليوم لكي أحضر مع الجرار لشراء الطعام ، لم تكن أمي تعلم أنني تابعت الأغنام ، ظنت أنني قد أخذت الجرار وغادرت إلى يطا ، لذا كنت محظوظًا لأن جاري رآني عندما انفجرت القنبلة اليدوية ، و هرع الجميع لمساعدتي ، وإلا استغرقت وقتا ً أكثر للحصول على المساعدة ، و كان من الممكن أن أفقد كل دمي وأموت .
من الصعب على عائلتي أنني أصبحت لا أتمكن من العمل بالطريقة التي اعتدت عليها ، تحلم أمي أن يتم تركيب يد صناعية لي حتى أتمكن يومًا ما من العمل وإعالة نفسي وعائلتي .
أنا أسمي إبراهيم علي عوض ، ولدت في طوبا عام 1942 ، ورثت منزلنا وأرضنا في طوبا من جدي .
في عام 1999 ، قام الجيش الإسرائيلي بإخلاء 12 قرية في مسافر يطّا ، بما في ذلك طوبا ، تم طردي أنا و عائلتي الممتدة ، المكونة في ذلك الوقت من تسعة أبناء وست بنات وخمسة أحفاد – وَلدت أصغرهم أثناء التهجير، و كانت زوجة أحد أبنائي حاملًا في حفيدي السادس ، جميعنا إلى جانب المئات من أغنامنا تم تهجيرنا خارج منازلنا و أرضنا و تركنا في العراء بلا مأوى .
لذلك بدأنا في البحث عن منزل بديل ، في البداية ، اقترضنا كهفًا لنعيش فيه جميعًا ، ومع ذلك ، أخبرنا أصحاب الكهف أنه لا يمكننا الإقامة إلا لمدة شهر أو شهرين ، لأنهم يحتاجون إلى كهف بحلول فصل الشتاء ، لذلك قررنا أن ننتقل ونستقر في أراضينا الزراعية ، على بعد ثلاثة كيلومترات من طوبا ، أحضرنا معنا بعض الخيام ، منها خيمة تراثية ورثتها عن أمي ، مصنوعة من شعر الماعز ، تمكنا من بناء مأوى لعائلتي بأكملها في خيمة واحدة ، بينما كانت الأغنام في خيمة أخرى ، كنا نعيش بهذه الطريقة كل يوم ، على أمل العودة إلى منازلنا في طوبا .
بعد التهجير ، رتب سكان من قرى أخرى في مسافر يطّا ، مثل جنبا ، الفخيت ، التبان ، المجاز ، وغيرها لجنة ممثلين عن العائلات ، و قررنا اتخاذ الإجراءات القانونية معًا حتى نتمكن من العودة إلى منازلنا .
بينما كنت محظوظًا أنه لدي أراضٍ للعيش فيها في مخيم مؤقت ، لم يكن لدى السكان الآخرين أي مكان آخر يذهبون إليه ، لذا قرروا العودة إلى قراهم أثناء العمل على الإجراءات القانونية ، ولكن عادت قوات الإدارة المدنية الإسرائيلية إلى تحميل السكان وممتلكاتهم في شاحنات و طردهم مرة أخرى من مسافر يطا .
و حتى أنا و عائلتي لم نسلم مرة أخرى من الإدارة المدنية الإسرائيلية ، في وقت متأخر من مساء أحد الأيام ، وصلوا إلى خيامنا مع حافلة مليئة بالجنود ، وصادروا خيمة أغنامنا وخزانات المياه وحتى طعامنا ، ولم يتبق لنا حتى قطعة خبز واحدة ، تتذكر زوجتي أنهم حتى أخذوا البيض الذي تضعه جانبًا في جرة من أجل وجبة الإفطار للأطفال في اليوم التالي .
عندما غادرت شاحناتهم ، حاملة كل ممتلكاتنا ، تُركت وحدي أُدير شؤون عائلتي والقطيع في التلال ، و في تلك الليلة من آذار، هطلت أمطار غزيرة للغاية ، ولم يتبق لنا شيء يحمينا من العوامل الجوية .
و بينما الأمطار تهطل بغزارة ، قضيت الليلة الأولى بأكملها أحاول جمع الأغنام ، وجمع بعض الحطب الجاف من التلال لإشعال النار ، حتى يبقى أطفالي وأحفادي بدفء ، في الصباح ، دخلت زوجة ابني ، التي كانت لا تزال حامل ، في المخاض ، كنا محظوظين لأن شخصًا وافق أن يأتي بسيارته من مدينة يطا القريبة و نقلها برفقة زوجتي إلى المستشفى .
كان هذا الوقت من العام أيضًا هو الموسم الذي تلد فيه الأغنام – مصدر الرزق الوحيد لعائلتي ، مات ثلاثون من الخراف ، في الليلة الأولى فقط ، بسبب التجمد ، بما في ذلك 12 من الأغنام التي ولدت للتو في نفس الليلة ، في الصباح ، وَجدت جميع خرافهن الصغيرة ميتة .
في اليوم التالي تبرع لنا بعض الأشخاص بـ خيمتين ، انتقلنا مرة أخرى إلى مكان آخر في واد قريب وبنينا خيمة لنا وخيمة أخرى للأغنام .
على مدى ستة أشهر من التهجير ، عمل سكان مسافر يطّا مع المحامين على الجوانب القانونية لمنازلنا ، و في يوم صدور الحكم ، عندما وصلنا إلى محكمة العدل العليا في القدس وجدنا أن دبلوماسيين دوليين ، و بعض من أعضاء الكنيست الإسرائيلي عرب ويهود ، و بعض منظمات حقوق الإنسان كانوا هناك لدعم قضيتنا .
تم التوصل إلى القرار ، بعد أشهر من التشرد في برد الشتاء القاسي ، وبعد فقدان بعض أغنامنا والعديد من ممتلكاتنا ، بعد المعاناة من الجوع ، نسينا كل ذلك بمجرد حصولنا على أمر مؤقت للسماح لنا بالعودة إلى منازلنا ، فجأة ، تحولت قاعة المحكمة إلى قاعة حفلات .
توجهت على الفور إلى عائلتي لأبشرهم بعودتنا إلى البيت في طوبا . قضينا المساء بالاحتفال ، وتناولنا العشاء بسعادة ، في صباح اليوم التالي ، فككنا خيامنا وعدنا إلى طوبا .
على الرغم من السماح لنا بالعودة ، إلا أننا ، منذ ذلك اليوم ، نعيش تحت تهديد التهجير ، كان قرار المحكمة في عام 2000 مؤقتًا فقط ، لذلك منذ عقدين من الزمن ، لم يُسمح لنا ببناء اي منشآت جديدة أو حتى إصلاح القائمة ، منذ صدور الأمر القضائي ، و حتى اليوم ننتظر الحكم النهائي للمحكمة العليا الإسرائيلية ، والتي قد تطردنا من طوبا إلى الأبد .
في نفس الوقت، استولت مستوطنة وبؤرة استيطانية إسرائيلية ، تم بناؤها على بعد بضع مئات من الأمتار من منازلنا ، على جميع أراضي المراعي التابعة للقرية ، وهذا الاستيلاء هو جزء من سلسلة استيطانية تمكنت من فصل مسافر يطا عن مدينة يطا ، وعزلت قريتنا بشكل شبه كامل .
قبل الاحتلال كانت حياتنا سهلة و بسيطة ، كنا نعتمد على الزراعة و تربية المواشي ، و نأكل كل ثمرة و نبتة في موسمها ، و الآن نعيش كل يوم ننتظر الحكم النهائي ، تحت التهديد بالطرد العسكري وعدوان المستوطنين ، كل ما نأمله هو أن نعيش كعائلة في منزل في طوبا .
أنا أسمي علي عوض ، ولدت وترعرعت في قرية طوبا في مسافر يطا ، واحدة من اثنتي عشرة قرية أعلنها الجيش الإسرائيلي بما يسمى “منطقة إطلاق نار 918”.
في عام 1999 ، تم تهجير عائلتي قسراً من طوبا ، لقد عشت هذا الإخلاء ، لكنني لا أتذكر أي شيء – كان عمري عامًا واحدًا فقط في ذلك الوقت ، لذلك في ذهني ، إنه مجرد شيء يعيش في مخيلتي ، و في القصص التي سمعتها طوال حياتي ، لكن بعد ذلك أتذكر أنني عشت ذلك حقًا ، وما زلت أعيشه حتى هذا اليوم ، بعد 22 عامًا .
يتذكر جدي كل تفاصيل ذلك الوقت ، وقد كبرت وأنا أستمع إلى قصصه ، يتحدث كثيرا عن الأمطار الغزيرة التي هطلت بعد أن تركنا الجيش الإسرائيلي بلا مأوى ، لقد صادروا حتى الخيام المؤقتة التي بنيناها بعد التهجير ، لذلك كانت عائلتنا الممتدة التي يزيد عدد أفرادها عن عشرين شخصًا تقيم في خيمة واحدة ، و قال لي جدي إنهم صادروا كل شيء ، حتى الطعام ، كانت ليلة عاصفة وممطرة للغاية ، وقد أمضاها جدي في إشعال النار في الخيمة لإبقاء الأسرة دافئة ، و لكن في نفس الوقت ، كانت هناك بعض أغنام جدي تلد خرافها تلك الليلة ، و بما أنها تركت دون حظيرة أو مأوى ، في الصباح ، وجد جدي أن اثنتي عشر من الأغنام قد ولدت ، وجميع خرافها قد تجمدوا حتى الموت في الليل .
كما أنجبت أمي في تلك الليلة أخي الرابع ، عانت طوال الليل من البرد القارس بلا مأوى ، حتى استطاعت عائلتي إحضار سائق بسيارته ليأتي ويهرع بها إلى المستشفى ، عبر التلال الموحلة حيث يُحظر حتى إصلاح الطرق ، لحسن الحظ والدتي وأخي الصغير ، أنهوا تلك الليلة على قيد الحياة ، على عكس خراف جدي الصغيرة في الخارج .
الحمد لله ، تمكنت عائلتي من العودة إلى طوبا في عام 2000. ومع ذلك ، فإننا منذ ذلك الحين ننتظر الحكم النهائي للمحكمة العليا بشأن وضع أرضنا ، في السنوات الـ 21 الماضية ، و حتى يومنا هذا ، ما زلنا نعيش في خوف دائم من التهجير ، بينما نشاهد المستوطنات والبؤر الاستيطانية من حولنا تستولي على المزيد والمزيد من طرقنا وأراضي المراعي .
أقدم ذكرياتي هي الخوف ، مع إثارة كل منزل نجحنا في بنائه في طوبا جاء الخوف من إمكانية هدمه في أي لحظة ، في كل مرة يغادر فيها شخص ما المنزل – للخروج لرعاية قطعاننا ، والذهاب إلى المدرسة ، والذهاب لإحضار شيء ما في المدينة – كنت أشعر بالخوف من أنهم لن يعودوا .
كل صباح ، يبدأ قلق عائلتنا من جديد ، كان والدي وأعمامي يغادرون في الصباح لإخراج قطعانهم إلى المرعى ، في منطقة بين قريتنا والبؤرة الاستيطانية ، والتي أصبحت موقعًا اعتياديًا لمضايقات المستوطنين ضد عائلتي ، كنا نعلم أن الاعتقال والإصابة كانت تهديدات حقيقية للرعاة الذين خرجوا ، أتذكر عودتي إلى المنزل من المدرسة ذات يوم في الصف الثالث ووجدت أن مستوطنًا إسرائيليًا قد طارد عمي وقطيع ماعز له وطعن واحد من عنزاته أربع عشرة طعنة ، قال شرطي إسرائيلي وصل إلى مكان الحادث بشكل عرضي : “تكفي أربع عشرة طعنة لقتل أربعة عشر شخصًا”. لكن لم يتم تنفيذ أي عدالة على الإطلاق ، ولأن الماعز نشأ في قرية فلسطينية وليس بؤرة استيطانية إسرائيلية ، فلم يكن لذلك أية عواقب .
عندما كنت في الثالثة من عمري ، تم بناء البؤرة الاستيطانية الإسرائيلية {خافات معون} ، على بعد أمتار قليلة من بيتي في طوبا ، تم بناء البؤرة الاستيطانية على الطريق الوحيد الذي يربطنا ببقية الضفة الغربية ، في غضون عام بدأ المستوطنون بمهاجمتنا إذا حاولنا المرورعبر هذا الطريق ، وأغلقه الجيش رسميًا أمام الفلسطينيين ، كانت أقرب مدينة لقريتنا مدينة يطا ، و التي تبعد حوالي 3 كيلومترات عن منزلي ، أما الآن ، أصبحنا نسلك منعطفًا يزيد عن عشرين كيلومترًا للوصول إلى يطا ، حيث الرعاية الصحية والمياه والطعام وجميع متطلبات الحياة .
وهذا الطريق الوحيد الذي يسير من خلاله الأطفال من طوبا إلى أقرب مدرسة في التوانة ، لم يكن هذا هو الحال دائما ، في البداية ، أضطر الأطفال للسير في طريق أخرى حول البؤرة الاستيطانية ، مشياً على الأقدام مسافة تنقل تزيد عن عشرة كيلومترات ، عندما بدأت المدرسة في عام 2004 ، بدأنا في استخدام الطريق مرة أخرى ولكن في النهاية اضطررت إلى إكمال العام الدراسي في مدرسة أخرى بعيدة بسبب هجمات المستوطنين المستمرة على الطريق ، هنا ، و في الخامسة من عمري ، أصبحت طفولتي معرفة بعنف المستوطنين .
و لحل هذه المشكلة ، قرر الجيش الإسرائيلي إرسال سيارة جيب عسكرية لمرافقة الأطفال من وإلى المدرسة كل يوم ، بدلاً من إزالة البؤرة الاستيطانية غيرالقانونية ، أو معاقبة المستوطنين على عنفهم ضد الأطفال ، أصبحت المرافقة العسكرية هي الحل بالنسبة لهم ، لذا أكملت جميع الصفوف الدراسية الاثني عشر في المدرسة تحت الحراسة العسكرية ، أي أنه وصولي إلى المدرسة يعتمد على مزاج الجندي الإسرائيلي ، أتذكر الأيام العديدة التي وصلت فيها متأخرًا إلى المدرسة ، أو لم أتمكن من الحضور على الإطلاق ، لأن الجيش لم يحضر أبدًا ، أتذكر أنني تعرضت لهجوم من قبل المستوطنين ، و في أغلب الأحيان أثناء وجود الجنود .
استهلك هذا الروتين عقلي وجسدي ، كنا نسير كل يوم منذ شروق الشمس وحتى غروبها ، بحلول الوقت الذي كنا نصل فيه إلى المنزل ، كان غداءنا ينتظرنا ، و لكنه يكون قد حان وقت العشاء تقريبًا ، عندما استيقظ ، لم أكن جائعًا لتناول الإفطار ، وكان ذهني يواجه مشكلة في التفكير الدائم عندما يحين وقت العشاء ، شعرت أحيانًا أنه لا توجد مساحة للطعام في معدتي ، كما لو كانت مليئة بالحزن ، كان عقلي يتشتت عن دروسي ، منشغلاً جدًا بالخوف من الذهاب إلى المدرسة و طريق العودة إلى البيت ، عشت في حالة دائمة من الحركة والارتباك .
لحسن الحظ ، أحببت المدرسة منذ الصف الأول ، طورت شغفي للغة الإنجليزية أثناء دراستي لها كلغة ثانية ، لقد تعلمت منذ صغري بناء جمل محادثة أساسية باللغة الإنجليزية ، وتعلمت بعض العبرية ، حتى أتمكن من التحدث مع النشطاء الدوليين والإسرائيليين الذين ساعدونا في الذهاب إلى المدرسة على مر السنين .
ما زلت أتذكر الأسئلة التي طرحتها عندما كنت طفلاً: لماذا هذه هي حياتنا؟ لماذا هذه هي حياتي؟ والآن ، أشاهد جيلًا آخر من الأطفال الفلسطينيين يتعرضون للصدمة جراء رشق الحجارة وإضرام النار من قبل المستوطنين ، إنهم يكبرون في ظل نفس الظل ، طفولتهم يتم تعريفها من خلال عنف المستوطنين تمامًا كما كان الحال بالنسبة لي ، الآن ، كشخص بالغ ، ما زلت أطلب إجابات ، لكني أرفض السماح للإرهاب والظلم بتقييدي .
اليوم ، أنا كاتب وناشط في مجال حقوق الإنسان وخريج جامعي حاصل على شهادة في الأدب الإنجليزي ، وأتمنى أن أبدأ في الحصول على درجة دراسات عليا قريبًا ، بروح و معنوية عالية ، أسير في طريق المدرسة مع أطفال قريتي كل يوم ، وفي غضون ذلك ، أنا أدرس وأوثق و أحتج ، وأعمل من أجل مسار مختلف وأفضل وأكثر أمانًا و إنصافًا لنا ولجميع الفلسطينيين .